كانت ليلة من ليال أنسها السالفة، بل كانت ليلة غامرة وخيراً من ألف عطر، تنزلت فيها أسراب الكلام على القلوب برداً ويماماً.
على الرغم من قيود كورونا الجائحة إلا أن القلوب ملّت أقفاص سجنها وخرجت إلى جهة جنونها، حيث الكلمة واللحن المتهادي ولمة الأهل الأحباب، حيث المحجّ الأخير للروح..
هكذا كانت الليلة الفيناوية (فيينا) عامرة بعطورها وحضورها الشفيفين، تحت السقف الواحد الذي كسر كل أسماء جوازات السفر وحطم الحدود الواهية وتجاوز دروب الوصول إلى الله لكون الوصول إليه من درب وحيدة ألا وهي طريق الحب.
«ملتقى التواصل العربي النمساوي» فيينا، استضاف في فعالية أدبية اجتماعية الشاعر الفلسطيني فؤاد ديب والذي لبى الدعوة قادماً من مدينة برلين الألمانية..
الصالة اكتظت من بابها إلى بابها والوقوف شهود، جمهرة قلة ممن يستطيعون استقطابها في بلدان المغترب وبهذا الكم المهيب والنوعي أيضاً، وكما أسلفت فقد كان الحضور هو القصة الأجمل
بعد قيامة الشعر من حيث الألوان والأطياف، سورياً وفلسطينياً ولبنانياً وعراقياً ومصرياً وأردنياً ويمنياً وتونسياً وسودانياً وربما نسيت بعض البلدان هذا عدا عن الضيوف من أهل النمساويين المستضيفين..
على الصعيد الرسمي وكما العادة ونتيجة انفصام عرى المودة بين الشعبي والرسمي كان الحضور يتيماً والذي خرقه سعادة مستشار السفير اليمني والمتذوق للشعر..
أمين عام الملتقى الدكتور مقبول الرفاعي افتتح الفعالية بالترحيب بالضيوف بشكل عام وبالشاعر فؤاد ديب وخصّ بالأسماء الذين جاؤوا من وراء حدود النمسا والذين شرفونا بحضورهم كالرفيق الدكتور سرجون فايز كرم الذي قدم من ألمانيا وزوجته.
وكذلك شكر الزملاء الذين عملوا بكد لإنجاح هذه الفعالية لتليق بهذا الحضور النوعي وكذلك «زهرات الملتقى» اللواتي كنّ من وراء الحجب يعملن بصمت..
رئيس اللجنة الأدبية الشاعرة وئام فتال في كلمة ممزوجة بعسل الشعر قدّمت الضيف الشاعر بعد أن رحبت بالجميع..
البداية كانت مع الشاعر فؤاد ديب، والذي قبل أن يذهب إلى فكّ أزرار توت الشعر دار وجهه نحو جهة وجعنا،
حيث سأل كيف تحج الروح إلى قدس الأقداس ومن يُعيد لياسمين دمشق زهوته وعطره، ومن يرتب من جديد لبغداد موعداً جديداً مع قصص الحضارة، ولكنه عندما دخل حدود بيروت، صمت واستلّ من جيبه منديله القماشي وبدأ بمسح التراب عن وجهها المعفر بالوجع..
القصائد كثيرات، لكل قصيدة طعمها ولونها، القصائد عاليات وشاهقات، لذلك قبل كل شيء وكي يتوازن معها في القوام، صعد إلى «عين الجسر» جسر مخيم جرمانا .
في نهاية القراءة قدّم الشاعر خالد جودة فقرة بانورما تفاعليّة طرح على الحضور عدداً من أسئلة الحياة، وقد تم الترتيب لهذه الفقرة مسبقاً لجعل الحضور جزءاً أساسياً ومشاركاً، وعلى مد وقت الفعالية رافق القراءات عزفاً على آلة العود العازف ياسر الشيخ..
في الختام وكما افتتحت الشاعرة وئام فتال الفعالية، اختتمتها بدعوة الحضور والضيوف إلى المائدة المفتوحة «من مطبخنا» والتي قامت بتحضيرها سيدات ملتقى التواصل.
*كاتب عربي/ فيينا.