أحدثت الأعداد الكبيرة للوفيات يومياً في العاصمة صنعاء، بسبب انتشار وباء كورونا المستجد، أزمة كبيرة في توفير القبور للمتوفين، إثر تجاوز أعداد المتوفين الطاقة الاستيعابية للمقابر العامة، كما لم يستطع حفارو القبور حفر وتوفير أعداد كبيرة من القبور بسبب الأعداد المتزايدة للمتوفين يومياً، والتي حصدت أرواح المئات إذا لم تكن بالآلاف بينها شخصيات بارزة.
وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«القدس العربي» أن وباء كورونا المستجد وتعامل ميليشيات الحوثي مع الجائحة خلق رعباً وهلعاً أكثر من الرعب الذي شهدته العاصمة جراء الحرب الراهنة وبالذات مع انطلاق عاصمة الحزم في آذار/ مارس 2015 عندما بدأت مقاتلات قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات بالقصف الجوي على الكثير من المواقع العسكرية وأماكن تمركز الحوثيين في العاصمة صنعاء، ما أجبر الكثير منهم على النزوح إلى القرى والمناطق الريفية أو إلى مدن أخرى لم تطلها الحرب.
وأوضحت أن مصدر الرعب والهلع في صنعاء حالياً، ليس بسبب انتشار وباء كورونا بشكل مخيف فحسب، ولكن أيضاً بسبب تعامل الميليشيات الحوثية مع هذا الوباء باستهتار وبأسلوب تصفية حسابات مع الخصوم أو مع من ترغب في تصفيتهم.
وقالت إن «جماعة الحوثي سلّطت أعينها وجواسيسها في الأحياء السكنية وتقتحم البيوت بقوة السلاح وكأنها اقتحامات أمنية لكل من تشتبه بتعرضه للإصابة أو لكل من ترغب في تصفيته في المستشفى، ومن يصل إلى المستشفى لا يعود حياً مطلقاً، حيث يتم الإعلان عن وفاته بعد أقل من يومين بمبرر تعرضه لفيروس كورونا حتى وإن كانت الأسباب أخرى».
وأوضحت أن دائرة الهلع والخوف اتسعت بشكل كبير في العاصمة صنعاء بعد تصاعد أنباء أيضاً عن أن الحوثيين يقومون بحقن أي مريض يوصلونه إلى المستشفى بإبرة قاتلة تودي بحياته خلال أقل من 24 ساعة، وأوردت شواهد عديدة على ذلك بذكر أسماء عديدة للمتوفين بذلك، حيث تخضع المستشفيات العامة والخاصة للرقابة المباشرة من قبل المشرفين لميليشيات الحوثيين وهم الذين يديرونها عملياً بطريقة بوليسية، مستغلين انتشار فيروس كورونا لتصفية من تبقى من خصومهم أو من ترغب في تصفيتهم في العاصمة صنعاء.
إلى ذلك، اتهمت منظمة سام للحقوق والحريات ميليشيات جماعة الحوثي بأنها تتعامل مع ملف انتشار وباء كورونا بعقلية أمنية وحولت هذا الملف إلى ملف أمني بعيداً عن المعايير والبرتوكولات الطبية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة.
وقالت المنظمة، في بيان رسمي أمس الأول، إن ميليشيات الحوثي تتعامل مع جائحة كورونا كـ«ملف أمني»، وكلفت الأجهزة الأمنية وجهاز «الأمن الوقائي» الذي يعد أعلى جهاز أمني واستخباري في جماعة الحوثي، بإدارة ملف جائحة كورونا بالقيام بالتتبع والاعتقال والإبلاغ والحجر لكل مشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا بعيداً عن المؤسسات الطبية العامة أو الخاصة.
الأمم المتحدة: عمل وزواج القاصرين يتزايد في ظل التدهور
وطالبت المنظمة بضرورة تسليم الحوثيين ملف كورونا للجهات الطبية، ووقف التدخل الأمني في ذلك وكذا وقف الممارسات القمعية أثناء التعامل مع المشتبه إصابتهم بذلك، والتي من شأنها بث الخوف والرعب وسط المجتمع، وتجعل المصابين يفقدون الثقة بالمؤسسات الطبية، وتساهم أكثر في تفشي الوباء، جراء إحجام العديد من المصابين عن الإبلاغ عن حالاتهم أو الوصول إلى المستشفيات.
وكشف أن جماعة الحوثي عينت مشرفاً أمنياً من قبل أجهزتها الأمنية في كل مستشفى لمتابعة الحالات المشتبه إصابتها بكورونا، ونسبت إلى مصدر طبي خاص، قوله إن وزير الصحة في جماعة الحوثي، طه المتوكل، أفصح «في اجتماع سري أن الإصابات بمرض كورونا في صنعاء بالآلاف، وأن الوزارة تدفن يومياً ضحايا للفيروس بحضور اثنين من أهاليهم».
كما كشفت مصادر إعلامية ونشطاء سياسيون أنه حصد وباء كورونا خلال الثلاثة أيام الماضية أرواح العديد من الشخصيات البارزة والمعروفة في العاصمة صنعاء، بينها شخصيات سياسية وثقافية وأدبية بارزة، أبرزهم عضو مجلس النواب عبد الرحمن عبد الله المحبشي، والأديب والشاعر الكبير حسن عبد الله الشرفي، والسفير عبد الواحد هزاع طاهر العديني، والقاضي فضل عبد الله الآنسي، والقاضي محمد يحيى بدر الشرفي، والشيخ حزام البخيتي، ورجل الأعمال عبد الإله الخطيب، ورئيس الدائرة الإعلامية بمجلس النواب قائد محمد قائد، واللواء أحمد عبد الله شريم، واللواء علي أحمد هاجر، والشيخ مقبل عبد الرب الشهاري، والدكتور حاتم أبو حاتم. وفي سياق متصل، قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، أمس الثلاثاء، إن عملها في اليمن يقترب من «نقطة الانهيار المحتمل» مع انتشار فيروس كورونا في البلاد وازدياد عدد الأسر التي تلجأ للاستجداء وتشغيل الأطفال وتزويجهم. ويعتمد حوالي 80 ٪ من سكان اليمن الذين يعانون من سوء التغذية على المساعدات الإنسانية بما جعل الوضع في البلاد أكبر أزمة إنسانية في العالم حتى قبل ظهور الفيروس. وفي الأسبوع الماضي، قالت الأمم المتحدة إن نظام الرعاية الصحية في اليمن «انهار فعلياً» وإن من المعتقد أن فيروس كورونا ينتشر في مختلف أنحاء البلاد وأطلقت نداء من أجل الحصول على تمويل عاجل.
وقال تشارلي ياكسلي، المتحدث باسم المفوضية في إفادة عبر الإنترنت: «نحن بصدد الوصول إلى نقطة انهيار محتمل في برامجنا، حيث قد يتعين وقف الكثير من برامجنا خاصة برامجنا للمساعدة النقدية لليمنيين النازحين داخلياً إذا لم نحصل على تمويل إضافي قريباً». وأضاف: «نحن نشهد عدداً متزايداً من الأسر التي تلجأ إلى آليات تكيف ضارة مثل الاستجداء وتشغيل الأطفال وتزويج الأطفال من أجل البقاء». وقال إن المفوضية تقدم برامج مساعدات نقدية لنحو مليون نازح داخلياً يعتمدون على هذه المساعدات في الحصول على الغذاء والدواء والمأوى.
ويعاني سكان البلاد من أدنى مستويات المناعة من الأمراض في العالم. ومن المقرر أن تستضيف السعودية، التي تقود تحالفاً عسكرياً يحارب الحوثيين والأمم المتحدة مؤتمراً عبر الإنترنت للتعهد بالمساعدات في الثاني من يونيو/ حزيران.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أمس الثلاثاء، إنه تلقى حوالي 15 ٪ من التمويل المطلوب البالغ 3.38 مليارات دولار لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2020، وإن الولايات المتحدة هي أكبر المانحين. وقالت إليزابيث بيرز، المتحدثة باسم برنامح الأغذية العالمي خلال الإفادة: «الوضع الإنساني في اليمن قد يخرج عن السيطرة، إذ إن مرض كوفيد-19 يهدد السكان الذين أرهقتهم سنوات الحرب». وأضافت أن الجائحة تهدد الواردات الغذائية. وتابعت: «يتوقع صندوق الأغذية العالمي أن يدفع فيروس كورونا بأعداد كبيرة من الأطفال في اليمن إلى سوء التغذية الحاد»، مضيفة أن أكثر من مليوني طفل يعانون منه بالفعل.