لا يمكن لأحد القول إن ما حدث في الـ 21 من سبتمبر 2014 له علاقة بالثورات أو ما شابه ذلك، بل إنه يوم انتهكت فيه حرمة الدولة اليمنية والجمهورية التي دافع عن عنها الأجداد ،حينما تخلصوا من أسوأ سلالة عرفها التاريخ ،كانت تحكم اليمن تحت وطأة الفقر والجوع والتخلف والعزلة عن المحيط الإقيلمي والدولي ،وحولت شعب بأكلمه إلى مجرد عبيد لديها.
الواحد والعشرين من سبتمبر 2014 ،عادت الإمامة بلباس جديد،لكن بنفس النهج والأفكار لتجثم على بلد نفض حكم الأئمة ، بعد أن قدم اليمنيون تضحيات لا يمكن الإستهانة بها منذ عهد الأبطال السبتمربيون كعبدالمغني والنعمان والزبيري واللقية والسلال والثلايا، وغيرهم من الأحرار الذين هدموا وثنية الإمامة دون رجعة.
نظام إمامي حكم البلاد منذ أكثر من 1100 عام،يعود من جديد مهوسا للاستعلاء على الشعب اليمني وتحويل البلاد إلى اقطاعية بمبدأ الآمر والناهي،لكن الشعب أدرك بعد كل هذه العصور الظلامية ألا مكان لأنظمة سلالية أن تعود إلى بلد أعلن الشعب فيه الجمهورية صبيحة الـ26 من سبتمبر 1962، ليسجل يوما تاريخيا عظيما في ذاكرة كل يمني رفض الظلم والاستبداد والاستعباد.
ومن هذا المنطلق سعت مليشيات الحوثي بثوبها الجديد لاسقاط الدولة ومؤسساتها بتحالف مع صالح بهدف النيل من الجمهورية وثورة الـ26 من سبتمبر وثورة 11 فبراير،المكاسب العظيمة لكل يمني، فقد أنقضت هذه المليشيات على دولة اليمنيين بالبندقية والعنف والفوضى والقتل.
شعر اليمنيون بالإهانة لما أرتكبته تلك المليشيات الحوثية بحق دولتهم وجمهوريتهم منذ الـ 21 من سبتمبر 2014،هذه الإهانة مستمرة إلى اليوم وربما إلى ستستمر الأبد،بعد أن فقد الشعب الدولة التي كانت الضامن لكرامتهم وحريتهم،فقد حولتها مليشيات الكهوف بين ليلة وضحاها إلى مسرح للحرب والعنف بهدف ضرب كل مبادئ الجمهورية.
لن ينسى كل يمني مؤمن بقيم الجمهورية والثورة والعدالة والتعايش والتسامح هذا اليوم الأسود،حين قدمت المليشيا على ظهر الدبابات والعربات العسكرية ايذانا بتحويل البلد إلى تبعية مطلقة لفرد يحلم بالعودة لممارسة ما مارسه اجداده بحق اليمنيين خلال قرون من الزمن.
الإجتياح لم يكن في صنعاء بل سبقه في عمران ووصل إلى عدن،وارتكبت مليشيات الحوثي جرائم بشعة بحق كل من واجهها ورفض مشروعها الطائفي ،فلم يعرف اليمنيون تاريخا بهذا السواد،إلا حينما شاهد المدن تسقط واحدة تلو الأخرى في ظل صمت مطبق من الجميع ،وترتيب من بعض الدول في المنطقة لهذا الإجتياح وهذا الإنقلاب الدموي كالشيطان الأكبر إيران ودول مجاورة.
ليلة سقوط صنعاء لم تكن سهلة بالنسبة لنا،فقد كانت حفلة دموية عاشتها مليشيات الحوثي الإنقلابية بينما الجميع يعيش حالة صدمة من هذا السقوط دون مقاومة شعبية للدفاع عنها كونها الرمز للجمهورية اليمنية،هذا التخاذل كلّف اليمنيين ثمنا باهظا ما تزال فاتورته مفتوحة إلى اليوم،وما الحرب التي تعيشها اليمن حاليا إلا نتاج لهذا الإنقلاب الذي لطخ جدران المنازل والساحات والشوارع والمدن بأكملها.
كيف لنا أن نعيش هذه الذكرى المؤلمة والبلد ما يزال يعاني من تبعات هذا الإنقلاب، في ظل استمرار التراخي الدولي تجاه ما لحق باليمنيين من أذى وإهانة جراء ما أرتكبته المليشيات الحوثية التي تمتد لها يد ايران بكل سخاء.
هل كُتب على اليمنيين منذ قيام ثورة الـ 26 من سبتمبر أن يدفعوا هذه الفاتورة،ربما لأشياء لم يتم تصحيحها منذ ذلك التاريخ،أين اخفقت الثورة وأين أصابت حتى نعرف لماذا يدفع الشعب اليمني هذه الفاتورة التي تسببت بها مليشيات إنقلابية جاءت على ظهر الدبابة.
ما حدث في العام 2014 ليس من السهل القبول به،وولا يمكن نسيانه ،فقد شاهدنا معسكرات الجيش تسقط دون إطلاق رصاصة واحدة لمقاومة هذا الإنقلاب وهذا الإجتياح من قبل المليشيات الحوثية البربرية،وشاهدنا مخازن السلاح تُفتح وتنهب،وليس هذا فحسب فقد طال النهب أيضاً مؤسسات الدولة المدنية ومقدرات اليمنيين كلها لتصبح بيد أناس لا يؤمنون إلا بلغة العنف والسلاح.
ما حدث هو نتيجة طبيعة للتخاذل والتساهل من كل القوى والأحزاب التي جزء منها أستبشر وهلل وكبر بقدوم مليشيات الحوثي من البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء لتخلصهم من ما أعتقدوا أن هناك قوى أخرى تسعى لبسط سيطرتها على البلد،ما أقساها من مشاهد ونحن نعيش لحظاتها من تلك القوى التي أعتبرت دخول مليشيا إلى عاصمة اليمنيين ونهبها هي نهاية لسقوط مراكز النفوذ العسكري والقبلي والديني.
اخطأ الجميع في هذه الحسابات،ووقعت الكارثة على رؤوس اليمنيين جميعا دون استثناء،وأصبحت المليشيات الحوثية هي المتصدر لهذه الصور القاتمة القادمة من اليمن إلى كل دول العالم.
نحن بحاجة إلى إعادة الإعتبار للجمهورية والثورة والعدالة في بلد تنهشه المليشيا،نحن بحاجة إلى أن نعيد حساباتنا ونصححها من أجل إستعادة الدولة ومقدراتها وهيبتها من أيادي العصابة الحوثية الإجرامية،وهذا لن يحدث إلا عندما يتفق الجميع على مشروع وطني واحد يقف خلفه الشعب اليمني بكل مكوناته، حتى نبدد ظلام هذا اليوم ونقتلع جذور هذه النكبة إلى الأبد.