يطوي اليمنيون عاما آخر من سنوات الدم والتشظي وخيبة الأمل، في ظل استمرار الصراع وتعذر جلوس الأطراف المتحاربة على طاولة حوار والوصول الى حل سلمي في هذا البلد الفقير.
ويشهد اليمن نزاعا دمويا منذ أواخر عام 2014، بين القوات الحكومية مدعومة من تحالف عربي تقوده السعودية، ومسلحي جماعة الحوثي المتحالفين مع إيران.
ومثل 2019، عاما آخر من استمرار نزيف الدم اليمني، في ظل انسداد آفاق الحل السياسي السلمي.
وتواصلت العمليات العسكرية بين الحوثيين والقوات الحكومية في محافظات يمنية عدة مخلفة خسائر بشرية ومادية ومخلفة مآس كبيرة.
وتركزت المواجهات في مناطق واسعة من محافظات صعدة وحجة والجوف ومأرب وتعز والبيضاء وكذلك محافظة الضالع التي تشهد تصعيدا عسكريا كبيرا بين القوات الحكومية والحوثيين.
كما شهدت محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر خروقات مستمرة وصلت الى حد الاشتباكات العنيفة، رغم سريان اتفاق لوقف العمليات العسكرية رعته الأمم المتحدة في ديسمبر من عام 2018، في العاصمة السويدية ستوكهولم.
سلام مفقود
مر عام 2019، ولم تنجح الجهود الأممية والإقليمية في جمع الأطراف اليمنية على طاولة حوار لمناقشة الحل السلمي خاصة الحكومة والحوثيين.
كما لم يجد اتفاق ستوكهولم الذي رعته الأمم المتحدة في ديسمبر 2018، والذي تضمن عددا من المسارات أبرزها ملفا الحديدة وتبادل الأسرى والمعتقلين، طريقه للتنفيذ.
وأجرى المبعوث الأممي الى اليمن مارتن غريفيث تحركات واسعة بين صنعاء والرياض (حيث المقر المؤقت للرئيس اليمني) ودول مؤثرة في المنطقة في محاولة للدفع باتجاه تنفيذ اتفاق ستوكهولم والترتيب لجولة مشاورات جديدة إلا أن تلك الجهود ظلت تراوح مكانها.
وكشف القيادي البارز في جماعة الحوثي محمد على الحوثي النقاب في مقابلة سابقة مع وكالة أنباء ((شينخوا))،عن أن المبعوث الأممي "يرتب لجولة جديدة من المشاورات منذ فترة ..لكنه لم يفلح وهو ما يجعل جهوده تراوح مكانها دون إحراز أي تقدم".
اتفاقات لم تجد طريقها للتنفيذ
إلى جانب اتفاق ستوكهولم الذي لم يجد طريقه للتنفيذ، يبدو اتفاق الرياض الذي رعته السعودية في نوفمبر الماضي بين الحكومة والمجلس الانتقالي المطالب بالانفصال، يسير في الاتجاه ذاته.
وخاضت القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي مواجهات مسلحة في أغسطس الماضي، أسفرت عن سيطرة الانتقالي على مدينة عدن، وأهم مدن الجنوب اليمني.
وتضمن اتفاق الرياض تشكيل حكومة مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية وإعادة تنظيم القوات العسكرية والأمنية تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية خلال شهر.
وترى الحكومة اليمنية أن عدم تنفيذ الاتفاقات يأتي نتيجة تعنت مليشيا الحوثي، والمعوقات التي وضعها المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال.
وقال وكيل وزارة الاعلام اليمنية فياض النعمان، إن فرص السلام باليمن تتضاءل يوما بعد آخر.
وأضاف النعمان لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن إتفاق ستوكهولم أصبح ميتا سريريا رغم محاولات المبعوث الأممي انعاشه دون جدوى، نتيجة تعنت مليشيا الحوثي.
وبخصوص إتفاق الرياض الموقع في نوفمبر الماضي، قال النعمان، إن عدم تنفيذ الاتفاق حتى اليوم "نتيجة المعوقات التي وضعها الإنتقالي".
وأشار النعمان الى أن "الحكومة اليمنية تبذل جهودا كبيرة لتنفيذ اتفاق الرياض رغم كل المعوقات والتحديات التي يضعها المجلس الانتقالي".
يمن متشظ
عمقت أحداث عام 2019، من تشظي اليمن، حيث تمسك الحوثيون بمناطق سيطرتهم شمالي البلاد بما في ذلك العاصمة صنعاء، فيما فرض المجلس الإنتقالي سلطة أمر واقع على معظم محافظات الجنوب اليمني.
وسيطر المجلس الانتقالي في أغسطس الماضي على مدينة عدن "العاصمة المؤقتة" وأهم مدن محافظات الضالع ولحج وأبين، بقوة السلاح.
وفي الساحل الغربي اليمني عززت قوات تابعة لطارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، من سيطرتها على مناطق حيوية في سواحل البحر الأحمر، وهي قوات لا تعترف بشرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
ومع هذا التشظي تقلصت سلطة الحكومة المعترف بها دوليا، وظلت مناطق سيطرتها تعاني من حوادث أمنية ونفوذ قوات عسكرية تدين بولائها لأحزاب سياسية ونافذين من زعماء القبائل.
الحوثيون يطورون قدراتهم العسكرية
برز بشكل لافت خلال عام 2019 تطور القدرات العسكرية للحوثيين، حيث شنوا هجمات نوعية مستخدمين أسلحة متطورة استهدفت مراكز مهمة في مناطق سيطرة الحكومة وضرب أهداف في عمق السعودية التي تقود تحالفا عسكريا ضد الجماعة.
ومثلت العملية التي نفذها الحوثيون في سبتمبر الماضي ضد مصفاتي نفط تابعتين لشركة (أرامكو) السعودية واحدة من أكبر العمليات الهجومية للجماعة المسلحة.
وأعلنت الجماعة حينها انها استخدمت عشر طائرات تعمل بمحركات مختلفة وجديدة مابين عادي ونفاث، في قصف مصفاتي بقيق وخريص بالسعودية.
وتسببت العملية حينها في توقف "مؤقت" لإمدادات النفط بنحو 5.7 مليون برميل أو حوالي 50 في المائة من إنتاج شركة أرامكو (عملاق النفط السعودي)، حسبما أعلن حينها وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز.
كما تبنى الحوثيون خلال عام 2019 عمليات هجومية متعددة بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة مفخخة، وأعلنوا عن تطوير قدراتهم في الدفاعات الجوية والبحرية.
الأوبئة تفتك باليمنيين
مع استمرار الصراعات المسلحة في اليمن والتشظي القائم والتدهور في كافة مجالات الحياة، فتك الوضع الانساني المتدهور والأوبئة بحياة المئات من اليمنيين.
وخلال عام 2019، عاود وباء انفلونزا الخنازير (اتش1 ان1) التفشي في صنعاء ومحافظات يمنية عدة خاضعة لسيطرة الحوثيين وذلك بالتزامن مع استمرار انتشار وباء حمى الضنك والملاريا والتي فتكت بعشرات المواطنين.
وقال تقرير صادر عن وزارة الصحة بصنعاء التابعة للحوثيين (غير معترف بها)، تلقت وكالة أنباء ((شينخوا)) نسخة منه، انها سجلت خلال العام الجاري 6945 حالة اشتباه بوباء (اتش1 ان1) و250 حالة وفاة بالوباء.
وأوضح التقرير أن العاصمة صنعاء تصدرت حالات الوفاة بعدد 81 حالة وفاة ثم محافظة أب 31 حالة وفاة وصعدة 26 حالة ، وهي محافظات تخضع لسيطرة الجماعة.
كما سجلت الاحصائيات أكثر من 20 ألف حالة إشتباه بوباء حمى الضنك توفيت منهم 68 حالة منذ مطلع العام في محافظات سيطرة الحوثيين ذات الكثافة السكانية.
القاتل الخفي
مثلت الألغام في اليمن خلال عام 2019، تحديا كبيرا لحياة المواطنين وتحركاتهم، وحصدت أرواح المئات من الضحايا.
وتقول السلطات المختصة في الحكومة إن اليمن يواجه كارثة إنسانية نتيجة حقول الألغام العشوائية المنتشرة في مساحات واسعة من البلاد.
وبحسب التقديرات الرسمية، فإن الحوثيين زرعوا أكثر من مليون لغم (تم نزع أكثر من 500 ألف لغم حتى اليوم)، في أنحاء متفرقة من البلاد، وتتصدر محافظة تعز ذات الكثافة السكانية، أكثر المناطق اليمنية تلوثا بالألغام.
ويسقط بشكل شبه يومي ضحايا مدنيون في مناطق يمنية عدة نتيجة الألغام والقذائف غير المنفجرة والعبوات الناسفة.
وبالنسبة لليمنيين، فان استمرار الصراع المسلح، وفشل الحل السلمي، يجعلهم يستقبلون العام الجديد محملين بالوجع والكثير من خيبة الأمل.