لا يستطيع اليمنيون نسيان ثوراتهم المجيدة من الاحتفاء، وفي عمق جراحهم ونزيفهم في الحرب، تجرى دموعهم عندما يسمعون النشيد الوطني، ويقفون بإجلال أمام العلم الوطني وشعاره الشامخ، وخلال الحرب كسر اليمنيون الجمود الرسمي في الاحتفاء بثوراتهم، ليزرعوها في وجدانهم بكل شغف.
ومنذ نحو ثلاث سنوات بدا لافتا حالة الاحتفاء الشعبي بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر، إلى جانب حالة الشعور الوطني الجماعي من خلال الأفراح اجتماعية بالأعراس تحديدا، حيث برزت عادة عزف النشيد الوطني ببداية مراسم الزفاف، بالإضافة إلى وضع شعار اليمن (الطير الجمهوري)، في منصة العريس الرئيسة.
"عبد ربه الضبيبي" (28عام) تعثر زفافه ثلاث سنوات بسبب انقلاب الحوثيين، وعقب ذلك بدا متحمساً ألا يكون عرسة إلا بالتزامن مع الذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر المجيدة، وهو ما حدث بالفعل خلال العام الماضي، فكان النشيد الوطني مبتدأ زفافه.
شعور وطني جماعي
عزف النشيد الوطني والاحتفاء بالشعار الجمهوري تحول إلى ظاهرة شعبية جماعية في أوساط اليمنيين في العاصمة صنعاء، وهي ردة فعل وجدانية على الشعور بقلة الحيلة في مواجهة حالة الانقلاب الحوثي الذي يفرض سطوة امنية، وعمل على الغاء كل الثقافة التي رسختها قيام الجمهورية اليمنية.
وقال الضبيبي في حديث لـ"بلقيس" جعلت موعد زفافي بيوم وطني ورسمت في مخيلتي فرحتان الأولى فرحتي والثانية فرحتنا الوطنية بهذا اليوم السبتمبري المجيد الذي انتصر به كل من بذلوا أرواحهم في سبيل الوطن، ونحن الآن نعيش على تلك الأمجاد حتى تعود بلادنا.
وأضاف "نحن خسرنا كثير في الحرب لكن مازالت مشاعرنا قوية بحبنا للوطن، وأردت ان يكون عرسي يتوافق مع يوم استثنائي من تأريخ البلاد يجسد الوحدة وعدم التفرق، لجمع قوة الشعب لكي تعلو راية اليمن خفاقة بكل شموخ".
ويعتقد "الضبيبي" أنه قدم شيء بإشباع وجدانه وشعورة بالوطن وقال "أردت أن امنح وطني في ذلك اليوم فرحة تنبع من قلبي وهي ذلك النشيد الذي كلما نسمعه تنبض القلوب وتخفق له الروح" وتابع "ذلك النشيد المستوحى من كل قلب يمني حر يحب وطنه ووحدته وثورته".
جيل ما بعد انقلاب الحوثيين
حول الحوثيون حياة الناس في صنعاء إلى مأساة من خلال ممارستهم الانتهاكات بشكل بشع، جعل اليمنيون يتذكرون عظمة ثورتهم بكل شغف، وكيف ان قيام "الجمهورية" تحول عظيم رغم ان غالبيتهم لم يعيشوا ما قبل 1963، لكنهم يعيشون ما بعد 21سبتمبر 2014 - بعد سيطرة الحوثيين - فعرفوا جيدا قيمة ثورتهم وجمهوريتهم.
ويحتفى الشباب في أعراسهم بوضع "الطير الجمهوري" كخلفية للعريس في منصة قاعة الفرح، بدلا من المقاعد الحديثة، ولاقت هذه الفكرة رواجاً واسعاً حيث تمتلئ مواقع التواصل بالصور لأعراس بالشعار الجمهوري، وهو ما جعل محلات تعهد الحفلات تقدم تصاميم مختلفة لجذب الزبائن.
ويروج "جمال منصور" – مالك محل لاحتياجات الحفلات – للتصميمات الجديدة من الطير الجمهوري في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد ان ذاعت شهرته في الأعراس، وتحول لخيار الكثير من الشباب في زفافهم، وقال: "غالبية العرسان أصبحوا يفضلون وجود تصميم الطير الجمهوري في قاعة اعراسهم، لأنه يشعرهم بالانتماء أكثر في ظل الحرب".
وينزعج الحوثيين من حالة الوعي الجماعي التي تسيطر على كثير من الشباب في مناطق سيطرتهم، حيث يعتبرون أنفسهم أمام ثقافة جمهورية وطنية عصية على التفكيك، أمام الخرافات الطائفية التي تغرق العاصمة صنعاء في الدعاية المكثفة في كافة الفعاليات الحوثية.
غُربة الوطن
تتدفق مشاعر كبيرة عن سماع العزف الموسيقي للنشيد الوطني، والحضور يتوثبون واقفين من مقاعدهم بالأرض في حفلة زفاف، - كما في الفيديو الذي حصلت عليه "بلقيس"- وهو إحدى المشاهد من يوميات الأفراح اليمنية مؤخرا وبالتحديد خلال الثلاث السنوات الماضية.
ويتفاعل اليمنيون مع ما يخص "الجمهورية" بحالة من الشجن المحفور في الوجدان، وتظهر على وجوههم ملامح الفقدان الموجع للوطن، فتثير الشعارات والموسيقى الوطنية حنين الغائب عنهم الذي يُدمر كل يوم أمام أعينهم في ظل حرب بلا أفق لنهايتها على المدى القريب.
ويرى "أنور حمود" -طالب جامعي- ان حضور الطير الجمهور مع النشيد الوطني في الأعراس التي يحضرها، تلهب حماسة الوطني وتعيد إلى ذاكراته ووجدانه كمية هائلة من المشاعر الجياشة التي تجعل جسده "يقشعر"، وتكاد العبرة تحبس دموعه.
وقال في حديث لـ"بلقيس": رأيت كثير من الناس يدمعون ويتأثرون بعزف النشيد الوطني، في قاعات أعراس وكأنه يشتاقون لوطن لم يعد كما كان، الحنين إلى الاستقرار والأمن والأمان، للدولة التي لم تعد موجوده، للجمهورية المسلوبة من الحوثيين.