يتخذ الوضع الأمني في جنوب اليمن، منحى دراماتيكياً في ظل التطورات الأمنية المتسارعة على مدى الساعات الـ72 الماضية، إذ امتد التوتر إلى محافظة أبين بهجوم شنّه مسلحو تنظيم “القاعدة”، بعد يوم من التفجيرين اللذين هزّا مدينة عدن، وقُتل وأصيب فيهما ما يقارب المائة بين جنود ومدنيين، في ظل ضبابية المشهد السياسي والعسكري، مع إعلان الإمارات التي تتصدر واجهة التحالف مع السعودية جنوباً تقليص عديد قواتها، وفي ظل تصاعد الخلافات العميقة بين التشكيلات المدعومة من أبوظبي وبين القوات الحكومية.
ويزيد الوضع غموضاً أن تعود هجمات تنظيم “القاعدة” بعد يوم من جريمة “داعش” في عدن، التي تزامنت مع هجوم “لمليشيات الحوثي”، باستخدام طائرة مسيرة من دون طيار وصاروخ باليستي قصير المدى، أوقع العدد الأكبر من قتلى الخميس، في معسكر قوات “الحزام الأمني” في منطقة البريقة، وهي المنطقة التي يقع فيها أيضاً مقر قاعدة التحالف السعودي الإماراتي الرئيسية في عدن، وكلها حوادث ضربت عدن وصولاً إلى أبين في أقل من 24 ساعة.
وفي مقابل ما تعرضت له مدينة “عدن” من هجمات إرهابية، لجأت القوات المدعومة من الإمارات، إلى حملات انتقامية عشوائية بملاحقة المواطنين المنحدرين من المحافظات الشمالية، ومنعهم من دخول مدينة عدن خلال الساعات الـ48 الماضية، وهي الممارسات التعسفية التي لطالما مارستها هذه القوات منذ سنوات، وتمثل بدورها تعبيراً عن حالة الفوضى المرتبطة بتأسيس هذه التشكيلات والتعبئة العنصرية في صفوف البعض من منتسبيها.
وتثير التطورات الأمنية العديد من التساؤلات عما ستؤول إليه الأوضاع في اليمن جنوباً، وعما إذا كان لأبوظبي ذاتها دور في الأحداث الأخيرة بعد إعلانها الإنسحاب الجزئي، بهدف خلط الأوراق، وخلق حالة من الفوضى تستثمرها في مفاوضات سياسية أو ضغوطٍ من نوع ما، على الحكومة اليمنية وعلى الرياض.
يذكر أن عدن ومحيطها من المحافظات الجنوبية، كانت قد تحوّلت إلى ساحة مفتوحة لانتشار تنظيم “القاعدة” وأنشطة تنظيم “داعش”، بالتزامن مع انهماك الإماراتيين خلال الأشهر الأولى من وجودهم الميداني في عدن، بتأسيس التشكيلات الأمنية والعسكرية التابعة لهم، لتظهر الأخيرة متصدّرة “الحرب على الإرهاب”. لكن غالبية المعارك التي أنهت سيطرة “القاعدة” على مدن واسعة في جنوب اليمن كانت محدودة، إذ اعتمد التنظيم على سياسة الانسحاب بالتفاوض غير المباشر والتراجع لتقليل الخسائر، مثلما أن الطريقة التي أُديرت بها المعركة وقبلها سقوط المدن المفاجئ، لا تزال تُثار حولها علامات استفهام حتى اليوم.