تعيش العاصمة صنعاء في ظل قبضة مليشيا الحوثي متناقضات تكشف عن اختلال كبير في منظومة الحياة، ولم يعد يوجد إلا طبقة فاحشة الثراء وطبقة مسحوقة فيما الطبقة الوسطى انتهت.
في هذه العاصمة التي غدت محكومة بالقمع والتنكيل والفقر صار الحاضر إما ثراء فاحش تحققه قيادات في مليشيا الحوثي كانت تعيش حياة بسيطة، أو مواطنيين يعيشون على بقايا طعام مشرفي هذه المليشيا.
عجز وقهر
يقول "غ.ن.أ" رب أسرة يقيم بالعاصمة صنعاء "لم أكن أتوقع وأنا الموظف الحكومي الذي كان يُنظر له بعين الحسد، أنه سيأتي يوم وأصبح فيه عاجزاً عن شراء الدجاج المشوي أو البروست لأسرتي التي كانت تفضله كوجبة للمساء، مما اضطرني لشراء بقايا قشور هذه الوجبة من أحد المطاعم بصنعاء دلني عليه زميل وهذا المطعم يجمع بقايا البروست ويصفيه ويبيعه بأسعار زهيدة مثلاً بـ200 ريال يعطيك كمية لا بأس بها من القشور.
ويضيف لموقع "بلقيس" بخجل "يا ليت الحال يتوقف عند هذا العجز، بل صرت عاجزاً عن توفير متطلبات بسيطة مثل الأرز والدقيق والسكر، والذي بات لا يعرف طريق لأسرتي منذ سنوات إلا بالكيلو".
ويقول بغيض رب الأسرة "ح.ق.ص" لموقع "بلقيس" إن ما جاءتنا به مسيرة الشيطان الحوثية، هو بؤس الحال والفاقة وبسبب حقد هذه المليشيا وقطعها كل مصادر الرزق والتضييق علينا صرنا نشتري بقايا طعام مشرفيها من المطاعم لأسرنا.
ويختم حديثه بسخط قائلاً: مليشيا الحوثي أذلتنا وأوصلتنا إلى أن ننقذ أسرنا من الموت جوعاً بشراء بقايا طعام مشرفيها، نشعر باننا نعيش في زمن الوحوش الضالة، والبشر المنسلخين من كل القيم".
نتائج كارثية
وبوجع ممزوج بالسخرية يقول لموقع "بلقيس" "س.ر.م" رب أسرة "بصراحة نحن نستحق ما وصلنا إليه من شضف العيش واضطررانا إلى شراء بقايا مخلفات طعام مشرفي الحوثي من المطاعم، لأننا رحبنا بسقوط صنعاء وقدوم الحوثيين نكاية بأطراف أخرى وها نحن نتجرع ثمار أفعالنا".
ويضيف: أنا كرب أسرة أشتري بـ 300ريال قرب العصر وجبة غداء سيكلفني إعدادها بالمنزل حوالي ألفين ريال وبالذات في ظل إنعدام الغاز.
يتوقف عن الكلام وهو يحرك رأسه يمنة ويسرة ثم ينفجر ضاحكاً، ويقول "رحبنا بهم وجاءوا خلونا مثل القرود حتى وصل بنا الحال إلى أن نشتري بقايا طعام مشرفيهم وهذا يهون فالخوف من القادم".
يؤكد عامل في ذاك المطعم بالعاصمة صنعاء، وبعد تعهد بعدم الإفصاح عن اسم المطعم والعامل، لموقع "بلقيس" بأنه كان يأتي أشخاص إليهم ويطلبون بقايا البروست والأرز وطبيخ الخضروات ويدفعون مائة أو مئاتين ريال.
طريقة البيع
وحد قول العامل عندما عرف صاحب المطعم بالأمر، طلب من العُمال رفع بقايا طعام الزبائن كل صنف لوحده وتنقيته من الأشياء التي لم تعد صالحة للأكل وتعبئته في أكياس ووضعها بالثلاجة لبيعه لميسوري الحال مقابل مبالغ زهيدة وزبائن هذا النوع من بقايا الطعام يأتون بسرية وكثير ما يصحبون معهم زبائن آخرين
مطاعم آخرى يقصدها زبائن ينفقون ببذخ على الوجبات ولا يأكلون منها إلا القليل ويتركون الباقي، فيرفعه عمال المطاعم بعد وضعه بأكياس وبيع جزء منه والجزء الأخر يتصدقون به للمتسولين، إلا الطعام الذي يحوي لحوم فيتم بيعه بنقود، حسب قول "م.ع.س"_ وهو عامل في المطعم لموقع "بلقيس".
ولفت المتحدث إلى أنهم يجمعون بقايا أطراف الدجاج التي يتركها الزبائن واللحم اللاصق على العظم ويعيدون طباخته حسب تسميتهم "عقدة دجاج" ويبيعونها لزبائن بأسعار رخيصة.
وكما يقول المثل "حج وبيع مسابح" في إشارة إلى الجمع بين مقصدين، يوضح مالك مطعم بالعاصمة صنعاء لموقع "بلقيس" بأنهم استفادوا من جمع بقايا الطعام فوائد عدة أبرزها: تقليل كميات القمامة والتي كان يضطر إلى دفع مبلغ ألف ريال يومياً ليقبل عمال البلدية حملها على القلاب، إضافة إلى تحقيق عائد مالي يغطي راتب عامل.
ومثل هذه الصورة القاتمة هي إحدى نتائج مسيرة المليشيا الحوثية والتي تزداد قتامة مع صلف ممارستها المعادية للحياة وسعيها إلى تحويل كل شيء إلى ملك خاص بها كما يقول مواطنون تحدثوا لموقع بلقيس.
وعلى وقع هذا البؤس أطلق ما يُسمى طوق قبائل صنعاء منتصف يوليو الجاري نداء استغاثة وتحذير من كارثة مجاعة وشيكة ستحل بأمانة العاصمة ومثلها محافظة صنعاء، وكان ذلك بعد شروع برنامج الغذاء العالمي بتوقيف نشاطه ودعمه لهاتين المدينتين، نتيجة تورط الحوثيين ببيع المساعدات التي يقدمها البرنامج وهيئات دولية أخرى ورفضهم الامتثال والتوقف عن هذه الممارسات التي اسماها برنامج الغذاء العالمي سرقة خبز الفقراء.