بعد أربعة أعوام من حربها في اليمن ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية، بدأت الإمارات انسحاباً تدريجياً تمثّل في سحب آليات عسكرية، غير أن مسؤولين في الحكومة اليمنية قللوا من ذلك، وأكدوا إن الإمارات ما تزال حاضرة بأذرع متعددة.
وقال مصدر واسع الاطلاع في الحكومة اليمنية للأناضول، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، إن "الإمارات تعيد هيكلة المشهد العسكري في اليمن، مستغلة ضعف سلطات الرئيس عبدربه منصور هادي، وانشغال السعودية بالهجمات التي يشنها الحوثيون على أراضيها".
وأضاف أن الإمارات ما تزال تتحكم بالأوضاع في جنوب اليمن من خلال قوات الأحزمة والنخب الأمنية الموالية لها، فضلاً عن إحكام قبضتها مؤخراً على القوات في الساحل الغربي للبلاد.
** قوة على الأرض
وكشف مسؤول إماراتي، في وقت سابق، في تصريحات إعلامية، أن بلاده جنّدت أكثر من 90 ألف جندي أصبحوا يشكلون قوة على الأرض، وإنها تعمل على الانتقال من استراتيجية القوة العسكرية في اليمن، إلى خطّة "السلام أوّلا".
من جهته، قال المستشار السابق لولي عهد أبوظبي عبدالخالق عبدالله، في مقال نشره على موقع CNN عربية، إنه لا يمكن لأي أحد تحميل الإمارات مسؤولية إطالة الحرب في اليمن بعد قرار سحب قواتها.
وخلافاً لما يجري تداوله في الأوساط العسكرية من كون الإمارات انسحبت من اليمن، إلا إن ذلك لا يمثّل إخفاقاً كما يُصوّر له، فأبوظبي قد تكون حققت أهدافها بعد أن بسطت سيطرتها عبر القوات الموالية لها على معظم المناطق الحيوية.
وتستند أبوظبي على القوات التي دربتها ودعمتها بالأسلحة والمعدات العسكرية منذ أن بدأت تدخلها في اليمن، و90 ألف مقاتل يمثل لها قوة كبيرة في بلد متشظي بالنزاعات، وبتلك القوات تخوض الدولة الخليجية صراعاً وسيطرة بالوكالة حسبما يرى مراقبون.
** قبضة إماراتية
الأسبوع الماضي، توحدت أكثر من ثمانية ألوية وفصائل عسكرية في الساحل الغربي لليمن تحت قيادة عسكرية إماراتية جديدة، لتمثّل تلك الخطوة واحدة من تغييرات المشهد العسكري.
ويقول مصدر عسكري يمني للأناضول إن الإمارات ضغطت بقوة على "ألوية العمالقة" التي تمثّل القوة الضاربة في الساحل الغربي، وراس الحربة في الهجوم على الحديدة، للانضواء في تلك القيادة، بعد رفض وممانعة.
ويعود رفض قوات العمالقة إلى كونها موالية للرئيس هادي، ومعظم مقاتليها في ألويتها الخمسة الذين يصل عددهم قرابة 25 ألف مقاتل، ينتمون إلى التيار السلفي، ويرون في طاعة ولي الأمر أمر واجب.
وإضافة إلى العمالقة، انضمت إلى القيادة الجديدة قوات الألوية التهامية واللواء الثالث، بالإضافة إلى المقاومة الوطنية التي أنشأتها الإمارات بـ12 ألف مقاتل، معظمهم من قوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح.
ويقود قوات المقاومة نجل شقيق صالح، العميد طارق صالح، وهو لا يعترف بشرعية هادي.
ووفق المصدر العسكري الذي تحدث للأناضول فإن عدد القوات التي توحدت تحت مسمى القوات المشتركة، وصل إلى 55 ألف مقاتل، منضوية في المجلس العسكري بالساحل الغربي الذي يقوده الضابط الإماراتي أبو عمر الإماراتي.
ويمتد نفوذ تلك القوات وسيطرتها من مضيق باب المندب حتى مشارف مدينة الحديدة، بما في ذلك ميناءي المخا والخوخة على ساحل البحر الأحمر، وبسيطرتها على تلك المساحة تضع أبو ظبي يدها على مناطق حيوية في شمال اليمن.
** الحزام الأمني
بدأت الإمارات استراتيجية بناء جيوش موازية مع تشكيلها قوات الحزام الأمني في مارس 2016 بالعاصمة المؤقتة عدن، كانت حينها المدينة خارجة من معارك ضارية ضد المسلحين الحوثيين.
يقود تلك القوات -التي يصل قوامها 15 ألف مقاتل حسب إفادة مصدر حكومي للأناضول-القيادي السلفي والوزير المقال الذي يحتل حالياً منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، هاني بن بريك.
تدين تلك القوات بالولاء المطلق للإمارات ولا تعترف بسلطات هادي، وفي يناير 2018 خاضت معارك ضارية مع القوات الحكومية انتهت بسيطرتها على مدينة عدن بصورة شبه تامة.
وتُتهم تلك القوات بممارسة انتهاكات، إذ تعتقل العشرات من النشطاء في معتقل بير أحمد سيء الصيت، وتمارس ضدهم صنوفا مختلفة من التعذيب، كما ترفض الإفراج عنهم رغم توجيهات الحكومة، وفق تقارير حقوقية محلية ودولية.
وتفرض قوات الحزام الأمني سيطرتها على مدينة عدن وميناءيها الرئيسين، كما تفرض وجودها الكبير في محافظات أبين (شرق عدن) ولحج والضالع (شمال عدن).
تتسلح تلك القوة بأسلحة ومدرعات هجومية، ويتلقى أفرادها تدريباً على يد ضباط إماراتيين، وتعد القوة الضاربة للإمارات في الجنوب، وأبرز قادتها الميدانيين أبو اليمامة ورئيس المجلس الانتقالي محافظ عدن المقال عيدروس الزُبيدي.
وبالإضافة إلى قوات الحزام الأمني، توالي قوات الأمن-بما فيها قوات مكافحة الإرهاب-التي يقودها مدير أمن عدن اللواء هلال شائع، توالي بصورة مطلقة أيضاً الإمارات، رغم كونها تتبع عملياتياً وزارة الداخلية بالحكومة.
** النخب الأمنية
بعد نجاح تجربة الحزام الأمني، فتحت شهية الإمارات لتشكيل فصائل موالية لها، وبدأت بتشكيل قوات النخبة الشبوانية في محافظة شبوة النفطية، ويقدر عدد جنودها اليوم بسبعة آلاف جندي وفق تقديرات عسكريين.
وتسيطر تلك القوات على المناطق الحيوية وحقول الإنتاج وموانئ التصدير، في الوقت الذي ما تزال القوات الاماراتية تتخذ من شركة الغاز في بلحاف قاعدة عسكرية لها.
وتمتد سيطرتها على معظم مديريات المحافظة، وخلال الآونة الاخيرة سعت للسيطرة على مدينة عتق، مركز المحافظة.
وربما تتفوق قوات النخبة الشبوانية في موالاتها لأبو ظبي على قوات الحزام الأمني، فيما يعد قائدها الميداني المقدم محمد البوحر رجل أبو ظبي بلا منازع في المحافظة حسبما يقول الناشط السياسي في المحافظة محمد عمر للأناضول.
كما لا تعترف تلك القوات بسلطة الرئيس هادي، وتتلقى أوامرها من قيادة القوات الإماراتية في بلحاف.
وعلى غرار النخبة، دعمت الامارات إنشاء قوات النخبة الحضرمية، غير إن تلك القوات -التي لا تتوفر إحصائية لها-انضمت إلى سلطة المحافظ اللواء فرج البحسني، الذي يقف على مسافة متوازية من الإمارات والرئاسة.
** محاولات وفشل
حاولت الامارات فرض وجود لها في جزيرة سقطرى ذات الموقع الاستراتيجي على طريق الملاحة الدولية، ورغم جهودها إلا إن هناك رفضاً كبيراً من المجتمع المحلي تجاه قوات الحزام الأمني الموالية لها.
وتعيش الجزيرة توتراً مستمراً منذ العام 2018، كان آخرها وصول 300 جندي من قوات الحزام الأمني الموالية لأبو ظبي، والذين تلقوا تدريبات في مدينة عدن، ومحاولتهم السيطرة على ميناء الجزيرة.
ويعزو مسؤول أمني في سقطرى فشل تواجد قوات الحزام إلى قلتها والرفض الشعبي الكبير لها من المجتمع السقطري.
في محافظة المهرة (شرقي البلاد)، حاولت الإمارات فرض وجود قوات النخبة المهرية التي كانت قد انشأتها منتصف 2017، لكنها فشلت تماماً، إذ اصطدمت بالنفوذ العماني القوي، لتخلي الفراغ للقوات السعودية.
ووفق دراسة لمركز صنعاء للدراسات (غير حكومي)، فإن الإمارات كانت قد توصلت إلى اتفاق مع سلطات المحافظة في 2016، يقضي بتجنيد وتدريب 2000 من أبناء المحافظة.
وتضيف إن العمانيين الذين كانوا يتمتعون بعلاقات جيدة مع السلطات والزعماء القبليين استثمروا علاقاتهم لتأكيد نفوذهم في المحافظة، ونتيجةً لذلك بدأت موجة معارضة كبيرة ضد الإماراتيين، الذين فسروا تلك المعارضة كخيانة لهم.
وقالت الدراسة إن الإمارات انسحبت بالكامل من المحافظة، ورغم محاولتهم في 2018 العودة مجدداً عبر المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي لها إلا إنهم فشلوا أيضاً.