لم يتوف محمد الجنداري الأسبوع الماضي بمدينة صنعاء القديمة بقذيفة صاروخية دمرت منزله وأحرقت جسده وجسد أخته التي لا تزال تتلقى العلاج ، وإنما بانفجار اسطوانة غاز تالفة اعتادت شركة الغاز بصنعاء على تداولها في السوق غير مبالية بأرواح الناس وحياتهم ، لتخلق حرباً أخرى لا يختلف آثارها عن ما تخلفه الحرب وأسلحتها من موت ودمار.
اسطوانات تالفة
يشعر المواطن في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين بالقلق والخوف من حرب خفية ، وموت متربص يشاركه وأسرته السكن ، فلا توجد عائلة واحدة لا تحمل هذه المخاوف أو لم تكتو بمخاطر اسطوانة غير صالحة للاستخدام حصلت عليها بشق الأنفس من عقال الحارات.
ثلاثمائة ألف اسطوانة غاز تالفة تتوزع في منازل المواطنين الخاضعين في مناطق سيطرة الحوثي أعادتها الشركة اليمنية للغاز إلى السوق المحلية منذ قرابة عامين ، بعد تجميعها خلال السنوات 2013- 2014- 2015م من مختلف المحافظات اليمنية ، وصدور محاضر إتلافها ، وبدلاً من أن تصل إلى المصنع اليمني لصناعة وصيانة اسطوانات الغاز سواء للصيانة أو الإتلاف ، تم إعادة تداولها بحجة تغطية العجز والتخفيف من أزمة مادة الغاز المنزلي، بحسب مصدر مسئول بالمصنع لـ " بلقيس ".
ومن المتوقع أن يكون عدد الاسطوانات التالفة قد تضاعف خلال السنوات الأخيرة التي توقفت فيه عمليات الصيانة والإتلاف.
وبحسب إحصائيات صادرة عن شركة الغاز بصنعاء في العام 2016 فانه يوجد ما يزيد عن 12 مليون اسطوانة غير صالحة للاستخدام، نظراً لانتهاء العمر الافتراضي المقدر بـ 15عاما أو لسوء الاستخدام ، وما يزال يتم تداولها في السوق المحلية.
تنصل من المسئولية
وعلى الرغم من مليارات الريالات التي وردت لشركة الغاز خلال السنوات الماضية التي خصص لها 14 ريال لكل مرة تعبئ بها الاسطوانة خلال عمرها الافتراضي لصالح أعمال الصيانة ، إلا أن جماعة الحوثي استحوذت على الميزانية ولم تقم بأعمال الصيانة .
وكالعادة يتنصل الحوثيون من أي مسئولية أو التزام ، وفي قضية الاسطوانات التالفة سارع الناطق الرسمي لحكومة الانقلاب، ضيف الله الشامي، عقب انفجار اسطوانة الغاز مؤخرا بمدينة صنعاء القديمة إلى اتهام الحكومة الشرعية بأنها لم تعمل على صيانة الاسطوانات التالفة التي تحصد أرواح المواطنين.
فيما اكتفت شركة الغاز التابعة للحوثيين بالمطالبة برسوم إضافية على المبيعات تقدر بـ 10 ريالات عن كل لتر ، وبواقع 200 ريال عن الأنبوبة الواحدة لصالح أعمال الصيانة.
وطالبت شركة صافر بإضافة المادة الخاصة بالرائحة إلى مادة الغاز لتجنب وقوع الحوادث .. كما تنص مذكرة صادرة عن الشركة حصلت " بلقيس " على نسخة منها.
وأكدت الشركة في مذكرة أخرى وجهتها لعقال الحارات أنها سترسل شاحنات لتجميع الاسطوانات من المواطنين بعد كتابة اسم صاحبها عليها ، وستعيدها لأصحابها بعد التعبئة ، وعلى الرغم من أن بعض الاسطوانات لدى المواطنين تالفة إلا أنها اعتبرت الإجراء حل للحد من الحوادث.
مشكلة معقدة
وتتعامل شركة الغاز كجهة غير معنية بالحوادث التي أضرت بحياة كثير من الأسر، كما حدث مع أكرم محمد، أحد ضحايا الاسطوانات التالفة الذي ما يزال يدفع ثمنا باهظا منذ عام لاستخدامه اسطوانة يتسرب منها الغاز تسببت بحروق متفرقة على وجه ويدي زوجته ، ولولا تدخل الجيران لاحترق كامل جسدها ، ومع استمرار العلاج بمركز الحروق بمستشفى الجمهوري بصنعاء ، إلا أنها ما تزال تعاني من الألم وتبعات الحريق.
وبحسب بيانات مركز الحروق والتجميل بالمستشفى الجمهوري بصنعاء فان 70% من الحروق التي تصل المركز ناتجة عن مشاكل اسطوانات الغاز ، كان نصيب النساء 65% من الحالات و35 % من الحوادث تضرر منها الرجال.
وتبقى قضية الغاز المنزلي من المشاكل العالقة التي لا يراد لها أن تحل في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين سواء في توفرها أو مخاطر الاسطوانات ، حيث وصل سعر تعبئة الاسطوانة إلى 7000 ريال في وقت سابق ، ثم منع الحوثيون عملية التعبئة في المحطات ووضعوا آلية جديدة للتوزيع عبر عقال الحارات وتقسيم الأحياء إلى مربعات ، وقد لا تحصل الأسرة على اسطوانة لأكثر من شهر .
ويستغرب محللون اقتصاديون استمرار أزمة الغاز على الرغم من توفره بمأرب والمحافظات التابعة للشرعية ، وعدم وجود أي مسوغات تستدعي عقاب الناس وحرمانهم من الغاز المنزلي ومضاعفة الهموم والمشكلات اليومية.