* د.محمد إقبال محمد هدى- أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية -UKM
* خليل محمد أحمد العمري – صحفي وباحث في العلاقات الدولية - UKM
تعيش المنطقة العربية ما يشبه الإجماع على تمييع القضية الفلسطينية، وطي ملفها، مدفوعا بتوجه أمريكي ودولي، تبلورت تلك المساعي الدولية والأمريكية، بما يسمى بصفقة القرن، والتي يقودها مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وزوج ابنته جاريد كوشنر، والمقرب من اللوبي الصهيوني في واشنطن.
تسعى صفقة القرن الأمريكية، إلى تغييب القضية الفلسطينية، وإنهاءها تماماً عبر التنازل عن كثير من ثوابت الشعب الفلسطيني لصالح إسرائيل والكيان الصهيوني، كما يرى مراقبون ، الأمر الذي دفع الى عدة دول ومؤسسات الى اعلان موقف رافض لها.
يقود صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر العديد من التحركات الممهدة لعقد صفقة القرن، مثل ما يسمى بالورشة الاقتصادية التي من المزمع عقدها في تاريخ 25 و26 من يونيو الجاري، في البحرين.
تتمحور مسودة الورشة الاقتصادية في البحرين، حول إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة والتي من المتوقع أن يطرحها جاريد كوشنر صهر ترامب خلال مؤتمر في البحرين يعقد يومي 25 و26 يونيو حزيران.
خطة ترامب هذه قوبلت برفض واسع من الحركات والفصائل الفلسطينية، بيد أن الدول المحورية والمؤثرة في المنطقة والوطن العربي تكاد تكون موافقة على هذه الخطة، وتستخدم ما بيدها من أوراق اقتصادية وسياسية للدفع باتجاه القبول بهذه المبادرة المجحفة.
وسط كل هذه الأجواء المائلة لصالح إسرائيل من دول المنطقة وخصوصا الدول الغنية في الوطن العربي، وعقد صفقات الوهم أو ما يسمى بعمليات السلام، وتمييع القضية الفلسطينية، تبرز ماليزيا ممثلة برئيس حكومتها وباني نهضتها مهاتير محمد،في رفض تلك المحاولات الرامية لطمس القضية الفلسطينية والتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني.
في مايو من العام الجاري، استقبل رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد وفدا من حركة المقاومة الإسلامية حماس برئاسة خالد مشعل، وبحث معه في العاصمة الإدارية " بوتراجاي" محادثات حول صفقة القرن.
خلال اللقاء، أعرب رئيس المكتب السياسي السابق لحماس، خالد مشعل، عن امتنانه من الدعم الذي يقدمه مهاتير محمد للقضية الفلسطينية، ومواقفه المناهضة للاحتلال الإسرائيلي.
وشدد مشعل على أن سياسات إسرائيل في المنطقة تهدف إلى تغيير هوية القدس وقمع سكان قطاع غزة، مشيرا إلى أن مهاتير محمد، أحد أكبر قادة العالم الإسلامي، قد يلعب دورًا فعالاً في وقف الهجمات ضد الشعب الفلسطيني في غزة، دون مزيد من التوضيح.
ولفت إلى أنه أجرى محادثات مع مهاتير محمد حول "صفقة القرن"، مشيرًا أن الصفقة الأمريكية تسعى لإجهاض النضال الفلسطيني.
وشدد على ضرورة تركيز العالم الإسلامي والعالم بأسره على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ودعم استعادة حقوق الشعب الفلسطيني.
ونوه مشعل إلى أن لقائه بالزعيم الماليزي كان إيجابيًا، مشيرًا إلى أن مهاتير محمد تعهد له بتقديم منح دراسية للطلاب الفلسطينيين في 12 جامعة ماليزية.
وتقدر قيمة المنحة المقدمة 11.48 مليون رنجت ماليزي مقدمة من 12 جامعة ماليزية، وسيتم تقديم هذه المنح عن طريق منظمة الثقافة الفلسطينية في ماليزيا.
مهاتير محمد: السلام العالمي مرهون بحل القضية الفلسطينية
في ذات اللقاء أيضا الذي عقده مهاتير محمد مع القيادي الفلسطيني خالد مشعل، قال مهاتير، إن إحلال السلام العالمي مرهون بحل القضية الفلسطينية.
وشدد محمد، على رفض بلاده لسياسات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ووقوف بلاده إلى جانب الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.
وأشار إلى أن ماليزيا تشارك في العديد من الأنشطة المناهضة لإسرائيل في جميع أنحاء العالم، كما أن الماليزيين يشاركون في العديد من الاحتجاجات والقوافل التي تهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
ولفت محمد إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين كانت ولا تزال السبب الرئيسي للإرهاب في الشرق الأوسط، مضيفًا أن الإرهاب والتشدد هما نتيجة مباشرة لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل.
هنية يشيد بالدعم الماليزي
مطلع العام الجاري، كان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، قد بحث في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد تطوير العلاقات الثنائية.
وبحث هنية مع مهاتير محمد في اتصال هاتفي، أهمية العلاقات بين ماليزيا وفلسطين عموما وحماس على وجه الخصوص.
وأشاد هنية، بالدعم التاريخي الماليزي للقضية الفلسطينية ولقطاع غزة، مستحضرا الزيارات والوفود الماليزية التي وصلت إلى قطاع غزة لكسر الحصار ودعم الشعب الفلسطيني.
كما ثمّن رئيس المكتب السياسي للحركة، الموقف الماليزي من القدس وحقوق الشعب الفلسطيني، مشيدا بخطاب رئيس الوزراء الماليزي في الأمم المتحدة "والذي يعبّر عن أصالته ومدى التزامه بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وشعبه".
مهاتير يرفض دخول وفد رياضي إسرائيلي إلى ماليزيا
تتراوح العلاقات الإسرائيلية الماليزية بين الفتور والتوتر، وإلى الآن لا تزال ماليزيا ضمن 11 عضوا بمنظمة دول التعاون الإسلامي لا تعترف بـ(إسرائيل) ولا تقيم معها علاقات، سوى علاقات تجارية بنسبة بسيطة للغاية.
في يناير من العام الجاري، تلقت صفقة القرن والمطبعين العرب مع إسرائيل صفعة من قبل رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، حين رفض الأخير، رفَض منْح بِلاده تأشيرات دُخول للاعِبين إسرائيليّين مِن المُفتَرض أن يُشارِكوا في بُطولةٍ دوليّةٍ للسِّباحة مِن المُقَرَّر أن تَستَضيفها ماليزيا في شَهر تموز (يوليو) المُقبِل.
مهاتير محمد قال حينها في تصريحات صحفية، "إننا لا نسمح لهم (بدخول أراضينا)، وإذا كانوا مصرين على الحضور فهذا يعتبر خطأ، حتى وإذا كانوا يريدون سحب حق استضافة الدورة من ماليزيا، فيمكنهم فعل ذلك".
وصفها سياسيون أنذاك بتصريحات من العيار الثقيل، حيث أكد رفض بلاده منح رياضيين إسرائيليين تأشيرة لدخول البلاد، للمشاركة في بطولة دولية للسباحة البارالمبية 2019.
أثارت تلك التصريحات الكثير من الجدل، إلا أنها وبفعل الضغوط الصهيونية دفعت اللجنة البارالمبية الدولية للألعاب إلى معاقبة ماليزيا على هذا الموقف عبر التلويح بسحب البطولة التي كان مقررًا لها أن تقام بولاية "ساراواك" شرق البلاد في الفترة بين 29 من يوليو و4 من أغسطس 2019.
الصحفي الفلسطيني المعروف عبدالباري عطوان، علق على تصريحات مهاتير، قائلاً " السيد مهاتير كانَ حاسِمًا في مَوقِفِه، ولم يَرضَخ مُطْلَقًا للضُّغوط الإسرائيليّة والدوليّة مَعًا".
واعتبر أن هذا المَوقِف المُشَرِّف والمَبدَئي مِن رجل قاد ماليزيا إلى مَصاف القِوى الاقتصاديّة في العالم، وجَعَلها تتَصدَّر “نُمور” آسيا الاقتصاديّة، جاء في وَقتٍ تفتح فيه دول عربيّة أبوابَها ونَوافِذها على مِصراعيها أمام المَسؤولين والفِرَق الرياضيّة الإسرائيليّة لدُخولِ بُلدانها، وتَنْشُر النَّشيد الوطنيّ الإسرائيليّ، وتَرفَع عَلم الاحتِلال مُرَفْرِفًا في سَمائِها.
وأضاف عطوان، "السيد مهاتير أوصَل ماليزيا إلى ما وصَلت إليه لأنّه كانَ وما زالَ نظيف اليَد واللِّسان، ويُؤمِن بالعَدالة الإنسانيّة، وينْحاز إلى قِيَم عقيدته الإسلاميّة ولا يُساوِم مُطْلَقًا عليها، وغادَر كُرسي الحُكم وهو فِي ذروة عَطائِه، ولم يَعُد إليه إلا بَعد أن عَمَّ الفَساد واستَفْحَل، على حد وصفه".
ليست المرة الأولى
رفض ماليزيا منح تأشيرات لرياضيين إسرائيليين ليس المرة الأولى من نوعها، وهو ما وضعها في موقف حرج أمام الاتحادات الدولية التي تجد نفسها مضطرة إما لسحب إقامة البطولات منها أو فرض عقوبات عليها كالحرمان من المشاركة في بطولات دولية أخرى.
ففي 2016 ألغى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) اتفاقًا كان قد أبرمه مع كولالمبور في 2013 بشأن استضافتها مؤتمرًا دوليًا له عام 2017 على خلفية شكوى تقدم بها الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم بسبب عوائق فرضتها السلطات الماليزية أمام الإسرائيليين للحصول على تأشيرات دخول.
الشكوى التي تقدم بها الاتحاد الصهيوني تضمنت اتهامات للحكومة الماليزية بعرقلة إصدار التأشيرات ومنع رفع العلم الإسرائيلي خلال المؤتمرات الدولية، وهو ما برره نائب رئيس الوزراء الماليزي حينها أحمد زاهد حميدي بأن "استضافة الوفد الإسرائيلي سيجرح مشاعر شعبنا المتعاطف مع القضية الفلسطينية".
وفي 2015 اضطر منتخب الشباب الإسرائيلي للتزلج الشراعي، للانسحاب من المنافسات الدولية للعبة، التي نظمت في ماليزيا، في ديسمبر من نفس العام، بسبب عدم منحهم تأشيرات دخول، ورغم السجال الدائر حينها بشأن التوصل إلى اتفاق يسمح بتمثيل فريق دولة الاحتلال، فإن السلطات الماليزية أصرت على التمسك بموقفها ما دفع السلطات الصهيوينة إلى سحب منتخبها.
مهاتير يصف إسرائيل بالإجرامية
في حفل افتتاح منتدى الشرق الشبابي مطلع مايو الماضي، قال مهاتير محمد إن استقرار المنطقة مرهون بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإن الفصل العنصري والإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد الإنسانية من قِبَل دولة إرهابية تسمى إسرائيل لن تنتهي إلا بانتهاء ذلك الاحتلال.
وكان لمهاتير موقف واضح من قرار أمريكا بنقل سفارتها إلى القدس، وأكد أن وضع القدس ينبغي أن يبقى كما هو عليه، وألا تكون عاصمة لإسرائيل.
وسبق أن وصف مهاتير إسرائيل بـ "دولة لصوص"، وهاجمها بسبب سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وقال إنه "لا يمكنك الاستيلاء على أراضي الآخرين، وإقامة دولة عليها، وكأنك تعيش بدولة لصوص".
مطلع العام الجاري، أيضا شنّ رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، خلال مؤتمر صحفي في مقر الأمم المتحدة، هجوماَ على إسرائيل، واصفاً إياها بأنها دولة إجرامية.
وقال مهاتير محمد، إن إسرائيل لا تلتزم بالقوانين الدولية وتواصل أنشطة الاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
جذور العلاقات
يعود تاريخ العلاقات بين فلسطين وماليزيا إلى العام 1981، حينما منحت الأخيرة منظمة التحرير تمثيلاً دبلوماسيًا كاملاً، وفي العام 1989 تمت ترقية الوضع الدبلوماسي لمنظمة التحرير مرة أخرى لتصبح مماثلة لأي بعثة دبلوماسية دولية في كوالالمبور، كما سعت الأخيرة عبر جهودها لدعم القضية الفلسطينية من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي والمنصات الأممية في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، في حين تؤمن ماليزيا بالحقوق الفلسطينية في إقامة دولة على حدود 1967.
وفي الوقت ذاته تحتضن ماليزيا نحو 5 آلاف فلسطيني، منهم ألف طالب جامعي يدرسون في الجامعات الماليزية لدرجات البكالوريوس والدراسات العليا، ضمن منح دراسية مجانية تمنحها الحكومة والجامعات الوطنية للطلبة الفلسطينيين.
على المستوى الشعبي الماليزي، تمثل القضية الفلسطينية إحدى أهم القضايا الجاذبة للحراك الشعبي في بلاد الملايو حيث تتولى عشرات المنظمات الحقوقية والإغاثية والدينية أدوارا مهمة في حشد الموقف الشعبي لنصرة القضية الفلسطينية ودعم صمود الفلسطينيين. كما تتواجد أكثر من عشرة منظمات أهلية مختصة في القضية الفلسطينية تضم في عضويتها عشرات الآلاف وتشمل التيارات الأيدولوجية والخلفيات العرقية والدينية الماليزية المختلفة.