تسعى الأمم المتحدة وأمينها العام أنطونيو غوتيريش إلى تبييض صفحة المبعوث الأممي مارتن غريفيث لدى الحكومة الشرعية في اليمن بعد أن أعلنت الأخيرة القطيعة معه واتهامه بعدم «النزاهة» في تنفيذ اتفاق السويد وإعادة الانتشار بالحديدة وموانئها.
وأعلنت الأمم المتحدة أن مساعدة الأمين العام للشؤون السياسية روزماري ديكارلو ستتوجه إلى الرياض يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين للقاء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والمسؤولين في حكومته، وفقا لما نقلته وكالات أنباء أمس لبحث تداعيات تأزم الموقف مع غريفيث.
وقالت الأمم المتحدة وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية إنّ «ديكارلو ستلتقي خلال زيارتها الرياض مسؤولين سعوديين ويمنيين لمناقشة قضايا السلام والأمن الإقليميين، بما في ذلك الوضع في اليمن».
الحكومة الشرعية وناشطون يمنيون صعدوا من لهجتهم ضد المبعوث واتهم بأنه يتماهى مع توجه الميليشيات الحوثية وبارك انسحابها الصوري من موانئ الحديدة، فضلا عن اتهامات محاولة شرعنة قوات الأمن الحوثية التي زعمت الجماعة أنها هي التي ستتولى أمن وإدارة الموانئ بعد الانسحاب.
وتوجت الحملة اليمنية قبل ثلاثة أسابيع برسالة بعث بها الرئيس عبد ربه منصور هادي، إلى الأمين العام للأمم المتحدة تؤكد الاتهامات لغريفيث وتطالب بمراجعة أدائه، وهي الرسالة التي كان الأمين العام للأمم المتحدة رد عليها بأنه يثق في المبعوث الأممي إلى اليمن.
وكما يبدو فإن استمرار الحملة ضد غريفيث من قبل الحكومة اليمنية، هو الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى إرسال مساعدته للشؤون السياسية إلى الرياض، للقاء هادي في محاولة لتبييض صفحة غريفيث وطمأنة الشرعية بأن الأخير سيلتزم بمهمته وفق مبدأ النزاهة والحياد وبما يزيل المخاوف التي تساور الشرعية من المساعي الأممية التي تقول إنها تخدم الميليشيات الحوثية وتسعى لشرعنة وجودها الانقلابي خلافا لاتفاق السويد والقرارات الأممية ذات الصلة وفي مقدمها القرار 2216.
وكان هادي قال في رسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة إن غريفيث «عمل على توفير الضمانات للميليشيات الحوثية للبقاء في الحديدة وموانئها تحت مظلّة الأمم المتحدة».
وأضاف: «سنعطي فرصة أخيرة ونهائية للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث لتأكيد التزامه الحرفي بالمرجعيات الثلاث في كل جهوده وإنفاذ اتفاق استوكهولم على ضوئها».
وخاطب هادي غريفيث بقوله: «أودّ التأكيد أيضاً أنّه لا يمكن أن أقبل باستمرار التجاوزات التي يقْدم عليها مبعوثكم الخاص والتي تهدّد بانهيار فرص الحل الذي يتطلّع له أبناء الشعب».
وعلى رغم تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة في رده على الرئيس هادي أن المنظمة الدولية لن تدّخر جهداً للحفاظ على اتفاقات السويد «نصاً وروحاً إلى جانب تأكيده أنّه ليس لدى الأمم المتحدة أي نيّة لإقامة إدارة دولية في الحديدة»، غير أن تسريبات بدأت تخرج من أروقة مجلس الأمن تفيد بأن أعضاء المجلس باتوا يفكرون جديا في إرسال بعثة مراقبين مسلحة للإشراف على عملية الانسحاب وتنفيذ اتفاق السويد في اليمن.
وتستبق زيارة مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة ووكيلته للشؤون السياسية للرياض للقاء الشرعية الإحاطة الدورية التي يفترض أن يقدمها المبعوث الأممي غريفيث في 17 من الشهر الحالي، والتي يرجح أن يذكر فيها أن التقدم مستمر في تنفيذ اتفاق السويد على الرغم من إعلان الفريق الحكومي في لجنة تنسيق إعادة الانتشار التي يقودها الجنرال الأممي مايكل لوليسغارد تعليق الاجتماعات معه احتجاجا على التجاوزات في تنفيذ إعادة الانتشار الأحادي.
ويقول الجانب الحكومي إن إعادة الانتشار الحوثية وهمية وعبارة عن مسرحية، على حد ما جاء في تصريحات رسمية لمسؤولين يمنيين، وذلك لجهة عدم اشتراك الجانب الحكومي في التحقق من إعادة الانتشار وعدم التحقق من نزع الألغام، فضلا عن تسليم الموانئ إلى ميليشيات أمنية تابعة للجماعة الحوثية نفسها تحت اسم «خفر السواحل».
ويؤكد المسؤولون اليمنيون أن جوهر اتفاق السويد يعني انسحاب الميليشيات الحوثية وأن تتولى أعمال الإدارة والأمن في الحديدة وموانئها القوات الأمنية الحكومية والسلطات المحلية الشرعية قبل انقلاب الميليشيات الحوثية، وأن تكون تبعيتها للحكومة الشرعية بعيدا عن الانقلاب الحوثي.
ويقول الحوثيون إن الاتفاق نص على وجود رقابة أممية على الموانئ وعملية إعادة الانتشار فقط، أما مسألة بقاء المدينة والموانئ الثلاثة فيجب أن يظل تحت سيطرتها الأمنية والإدارية، كما جاء في تصريحات سابقة لزعيمها عبد الملك الحوثي.
وتتهم الحكومة اليمنية المبعوث الأممي غريفيث وكبير المراقبين الجنرال لوليسغارد بأنهما سعيا إلى تجزئة الحل في الحديدة في الوقت الذي لا تزال فيه الجماعة الحوثية توطد وجودها الانقلابي وتحصيناتها القتالية في مختلف مناطق الحديدة وأريافها الجنوبية.
وفي حين رفضت الميليشيات الحوثية إعطاء تأشيرات دخول إلى مناطق سيطرتها لنحو 60 مراقبا أمميا كان مجلس الأمن الدولي قرر إرسالهم ضمن البعثة الأممية بقيادة لوليسغارد، فلا تزال تصر أن تكون هي المعنية بإيرادات موانئ الحديدة.
كما تسعى الجماعة الحوثية لدى البعثة الأممية لإقناع الأمم المتحدة بنقل آلية التفتيش والتحقق من السفن والبضائع الواردة إلى اليمن من ميناء جيبوتي إلى ميناء الحديدة نفسه، وهو أمر ترى فيه الحكومة الشرعية خطوة حوثية لتفريغ الآلية الأممية من مضمونها بما يسهل للجماعة تهريب الأسلحة.
وكان المبعوث غريفيث أبلغ مجلس الأمن في إحاطته السابقة بأن الشرعية والحوثيين وافقا على تنفيذ عملية إعادة الانتشار في مرحلتها الأولى وأنه يجري التوافق على تفاصيل المرحلة الثانية التي تضمن في النهاية إخلاء قوات الطرفين وتسهيل وصول الإمدادات الإنسانية وفتح الطرق وإنهاء المظاهر المسلحة، إلا أن ذلك لا يزال حتى الآن محض تصورات في المحاضر الأممية فقط.
وبينما كان مجلس الأمن الدولي حدد مدة ستة أشهر للبعثة الأممية في الحديدة يرجح أن يسعى لتمديد عملها مرة أخرى مع اقتراب مدة ولايتها التي حددها لإنجاز مهمة الإشراف على إعادة الانتشار بموجب اتفاق السويد الذي تم إبرامه في 13 ديسمبر (كانون الأول) الماضي وحدد لتنفيذه 21 يوما.
وفي الوقت الذي يواجه غريفيث اتهامات بالفشل في مهمة إقناع الميليشيات الحوثية بتنفيذ الاتفاق وبمحاولة مداهنة الجماعة على حساب المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرار 2216)، يقدر كثير من المراقبين أنه لن يكون بمقدوره قيادة مرحلة التفاوض للحل السياسي والعسكري الشامل، الذي لن يتم الشروع فيه - بحسب الشرعية - إلا عقب تنفيذ خطوات تثبيت الثقة وحسن النيات المتمثلة في اتفاق السويد بفروعه الثلاثة (الحديدة، وتبادل الأسرى، وتفاهمات تعز).