المسعفون في حرب اليمن .. من منقذين الى ضحايا
راي اليمن_غادة الحسيني

 

اليمن ,, لم ينقشع غبار المعركة بعد ولا مؤشرات لوقفها . 
ثمان سنوات من الصراع في اليمن , لم تترك لليمنيين سوى الموت والتشرد والفقر . 

مأرب , خزان الوقود في اليمن , وهي واقعة شرق العاصمة صنعاء , تحولت الى ساحة حربٍ مفتوحة , يسكنها حالياً أكثر من مليوني ونصف نازح , شردتهم الحرب من مختلف المحافظات اليمنية , ويتوزعون في أكثر من 130 مخيما في هذه المحافظة , وفق السلطات الرسمية . 
    
ومع تصاعد وتيرة الحرب , يدفع المدنيون الثمن , إن كان في ميادين القتال أو جراء انفجار ألغام وعبوات وجوع وفقر , باتت تُشكِّلُ خطراً مستمراً يهدِّد حياةَ المدنيّين. 

اما الفرق الطبية التي تسعف جرحى الحرب وتنقلهم بسيارات الاسعاف الى مشافي المدينة , فقد تحول المسعفون الى ضحايا .

نرصد لكم من خلال هذا التقرير معاناة المسعفين اليمنيين في زمن الحرب , والمخاطر التي يتعرضون لها, بشهادات الفرق الطبية التي تغامر بالدخول الى خط المواجهات بهدف انقاذ الجرحى .   

 

  * مسعفون في خط النار 

 التقينا بيوسف طه وهو أحد مسعفي جرحى الحرب في جبهات مارب , وذكر لنا مواقف حدثت له أثناء قيادته لإحدى سيارات الاسعاف  قائلاً : عادةً ما يتم تمويه سيارات الاسعاف في الجبهات خوفاً من استهدافها من قبل مقاتلي الحوثيين .  

وأكد يوسف طه أن سيارات الاسعاف غير المموهة تكون عرضة للاستهداف المباشر , خاصةً حين تدخل الجبهة وهي بشعارها الطبي ولونها الابيض لأنها تبقى واضحة الرؤية وسهلة الاستهداف على حد قوله . 

وأضاف أن مسلحي الحوثيين لا يفرقون بين سيارات الاسعاف وغيرها من وسائل النقل اثناء الحرب , مؤكدا أنهم يستهدفون سيارات الإسعاف بطرق مباشرة بالصواريخ الحرارية والصواريخ الموجهة من جهة , وبطرق غير مباشرة من جهة أخرى ,وذلك بنصب كمائن نارية أو وضع عبوات ناسفة لسيارات الاسعاف اثناء مرورها في اماكن الاسعاف الطبي بحسب تعبيره .

  لكن مصادر عسكرية مطلعة تفيد أن طرفي الصراع في اليمن يستهدفان  المسعفين مع وسائل الاسعاف اثناء المواجهات في مناطق متفرقة في البلاد , وهو ما يعتبره مسؤولون في القانون وحقوق الانسان أن هذا عمل مناف للاعراف والقوانين الدولية وفيه خرق واضح للقوانين الانسانية . 

 * من منقذين الى قتلى 
 
عدد من زملائي قتلوا وأصيب آخرون بنيران الحوثيين أثناء قيامهم بمهمة الاسعاف الطبي وهم داخل سيارة الاسعاف ضمن الفريق الطبي المسعف في جبهة الكسارة غرب مدينة مارب , حسبما أكد يوسف طه .. 

وذكر يوسف أن سائق سيارة الاسعاف   منصور القرضي وزميله احمد الفلاحي والجريح ومرافقه أجبرهم مسلحو الحوثيين على النزول من سيارة الاسعاف بعد أن قطعوا الطريق أمام الفريق الطبي وقاموا بتصفيته . 

بنبرة حزن واستياء يسرد المسعف يوسف طه معاناته وتفاصيل أيامه اثناء عمله الانساني  " على مدى سنة كاملة يضربني الحزن بشدة وأشعر بغصة بالغة بعد أن فقدت أعز زملائي ورفقاء دربي , كان آخرهم الزميل الدكتور أكرم السامعي الذي حولته آلة القتل من مسعف الى قتيل , وإصابة زميلي هلال الحِدِمّة وزملاء آخرين تعرضوا لاعاقات كاملة وبعضهم أصيبوا بشلل نصفي جراء اصابتهم في العمود الفقري برصاص الحوثيين اثناء نقلهم للجرحى في جبهة مارب الجنوبية .  

من جهته يقول سعيد أحمد ,يحمل رتبة ملازم اول في الجيش اليمني, كُلفت قبل عدة اشهر بادخال فريق طبي لاسعاف جرحى الجيش ونقلهم من وسط الجبهة , -لكن قوات الحوثيين المتمركزة في أحد مواقعها القريبة من المكان الذي وصلنا اليه في جبهة صرواح غرب مارب ـ  استهدفتْنا بشكل مباشر بأعيرتها النارية على حد قوله .

وأضاف الملازم سعيد , أن الفرق الطبية تجد نفسها مضطرة أن تسلك طرقا أخرى فرعية بعيدة و وعرة خوفا على حياتهم , لكن ذلك لا ينجي الجرحى , لأن بعضهم يخسرون حياتهم قبل الوصول الى المشفى بسبب بُعد المسافة مع وعورة الطريق ونقص الدواء . 

الضابط ذاته أضاف أن مسلحي الحوثيين يعمدون على إلحاق الضرر بسيارات الإسعاف والطواقم الطبية
ويتخذون أساليب قتالية متنوعة لتحقيق أهدافهم . 

رواية الضابط سعيد تعزز دقة المعلومات التي ذكرها المصدر الطبي الاول يوسف طه بمواقف حدثت للضابط سعيد شخصياً , إذ يقول : عند قصف الحوثيين لأحد التجمعات سواء كانت مدنية أو عسكرية , يصل الفريق الطبي الحكومي بسيارات الإسعاف للمكان المستهدف بهدف اخلاء الضحايا , فتقوم جماعة الحوثي باستهداف سيارات الإسعاف والمسعفين إما بصواريخ موجهة أو عبر طائرات مسيرة مفخخة .

وتابع بقوله , حدث معي موقف في إحدى جبهات مارب أثناء تلقينا نداءً عبر الجهاز اللاسلكي بالتحرك إلى المكان الذي وقع فيه استهداف لاحدى عربات الجيش اليمني , فبدأنا  بنقل الجرحى على بعد عشرة امتار  من الحادث بغرض تقديم المساعدة الطبية وكانت الاصابات حرجة , فبقيت الى جانب الجرحى أراقب العلامات الحيوية للجرحى وتقديم مايلزم للحفاظ على حياتهما قبل نقلهم إلى المستشفى داخل المدينة .

واستطرد سعيد , أثناء خروجنا الى خط غير معبد بالقرب من موقع جبلي  تسيطر عليه جماعة الحوثي , 
تفاجئنا بوقوع صاروخ حراري اطلقه الحوثيون فقتل على اثره أحد  الجرحى ومرافق سائق الاسعاف , أما أنا فقد تعرضت لاصابة بالغة في رأسي أفقدتني عن الوعي قبل أن تأتي فرقة أخرى لانقاذنا وإخراجنا من ذلك المكان .  


* ماذا يقول القانون  !! 

الدكتور عمار البخيتي ، استاذ القانون الدولي في جامعة إقليم سبأ يقول 
 إن شارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر على أرضية بيضاء تمثل  العلامة المميزة التي توجب احترام من يحملها من أشخاص أو مباني أو عربات .

وقال البخيتي إن المادة 44 من اتفاقية جنيف الأولى 1949 نصت على أنه لا يجوز أن تستخدم الشارة إلا لأغراض طبية فقط . 
 
ونصت المادة 21  و 38 من نفس الاتفاقية على وجوب احترام وسائل النقل ذات الشارة المميزة ,  وبالتالي عندما تقوم أطراف النزاع المسلح أو أحد هذه الأطراف بتغيير إشارة نقل وسائل النقل أو الإسعافات الطبية فهذا ينزع عنها الحماية القانونية  ويتحمل الطرف المخالف المسؤلية القانونية لتلك المخالفة وفق تعبير الدكتور البخيتي .


يحدث هذا في بلدٍ مزقته الحرب , ويتطلع اليمنيون لانفراجةٍ لا تبدو واضحة على المستوى القريب , تحاصرهم ظروف الحرب وصعوبة الواقع ويترقبون أي حلٍ سياسي بحذر , فخيباتهم متلاحقة .

وفي خضم ما يعصف بهم من أزمات لا حصر لها بسبب الحرب , ينتظرون بفارغ الصبر , أن تضع الحرب اوزارها !

متعلقات